جنون الإرتياب هو نتيجة طبيعية لمعرفة الحقيقة. - ويليام بوروز


يمكننا أن نؤكد إن هنالك نوعان من الحقائق أولاً هي الحقائق الظاهرية المثبتة علمياً والأخرى هي الحقائق الإفتراضية الناتجة عن تحليلنا للأحداث والأشياء والظواهر, لكن ماذا لو أخبرتك إن الحقائق سواء كانت علمية مجربة أو نظرية وتحليلية جميعها هي حقائق إفتراضية لا وجود لها إلا في داخل عقولنا, حتى وإن كانت جميع الأحداث الخارجية تؤكد لك إن معلوماتك حقيقية فهنالك إحتمال قوي بأنك تعيش في عالم إفتراضي مبني على نظام عقلي متكامل ومعقد وعلى أسس عدة منها حاجتنا البيولوجية, على سبيل المثال; نحن نعتبر إن العالم الخارجي ونظام الطبيعة هما بيئة متكاملة ومناسبة تماماً لجسدنا البشري من ناحية نسبة المياه على الكوكب والزراعة وتوفر النباتات والأغذية والحيوانات بخصائصها وفوائدها البيئية المختلفة وما إلى ذلك, كل هذه تؤكد إن كوكب الأرض هو مكان مثالي تماماً للحياة البشرية, لكن ماذا لو كانت كل تلك الظروف المناسبة هي من تنظيم عقلنا الفردي؟ أي إن الطبيعة والكون والجسد كلها أشياء موجودة ضمن مساحة صغيرة من فضاء الوعي لدينا, ومع تغير وعينا سوف يتغير الواقع وتتغير الأرض وكذلك الحيوانات والنباتات.
وأن الواقع هو سراباً يحسبه الظمآن ماء

قد تعتقد إننا نتحدث عن شيء من وحي الخيال ولكن لأسباب كثيرة سيتوجب عليك عدم إنكار المعلومات المطروحة أمامك ولا حتى تأكيدها, من ضمن هذه الأسباب هو إن كل ما نراه أمامنا ونسمعه ونشعر به وندركه هو في الحقيقة داخل الدماغ وليس في خارجه, وفي الحقيقة إن الواقع المادي بأكمله يتم عرضه إليك بإستخدام جزء صغير جدا من دماغ وهي قشرة الدماغ الجبهية, أما باقي أجزاء الدماغ فهي مسؤولة عن باقي وظائف الجهاز العصبي وأغلبها معقدة وغير مفهومة للعلم الحديث, وبعضها تتعامل بقوانين هندسية ورياضيات تتجاوز البعد الثالث وقد تصل إلى 11 بعد فيزيائي.

ببساطة إن المعرفة الخارجية قد لا تعادل نقطة من المعرفة الداخلية اللا محدودة, جميع العلماء الكبار على مر العصور أكدوا على إن معرفة الذات ودراسة طبائعنا الداخلية يمكن أن يجعلنا نفهم الواقع بأكمله والكون بأكمله, وذلك ببساطة لأن الواقع الخارجي الثلاثي الأبعاد هو فقط جزء صغير  مننا أو من وعينا الأعلى, وفيزياء ميكانيكا الكم يمكن أن تؤكد ذلك;

إن كل وعي يقابله واقع مختلف ويعيش تجارب مختلفة وله طريقة خاصة في الحياة, ويقال إن كل إنسان وكل كائن حي أو كل وعي له كونه الخاص, والطاقة أو الكهرباء العصبية يمكن أن تنتقل من الإنسان الى الكون أو من الكون إلى كون آخر وتؤثر به أو قد تغير مجرى الأحداث فيه وهكذا تم تفسير ما يسمى بـ"عدوى المشاعر" وهو ببساطة إنتقال الأفكار والمشاعر عبر الأثير من شخص إلى آخر أو من الشخص إلى الكون او إلى الكائنات الحية والجمادات, وبنفس الطريقة يعمل ما نسميه قانون الجذب وكل الظواهر الأخرى التي تجعل الإنسان لا يرى إلا ما يعتقد به ومرسخ في داخله.


خوف الإنسان الأكبر ليس من الموت إنما من التغيير, لأن ليس هنالك موت.


السياسة العصبية وحراس المصفوفة

البارانويا (الجنون الإرتيابي)




ذكر مصطلح السياسة العصبية أو الشرطة العصبية في كتاب إسمه "عقلك هو الإله" للبروفيسور TM.L  وتتمحور فكرة الكتاب حول ما يُعرف بالجنون الإرتيابي اللذي يصيب جميع الأشخاص اللذين يبلغون مستوى "الوعي الأعلى" او يختبرون اليقظة الروحية بشكل غير طبيعي وغير مقصود أو بدون تأهيل وتدريج, والجنون الأرتيابي هنا في الدرجة الأولى يتعلق بالهوس في نظريات المؤامرة أو التوهم بوجود جواسيس ومراقبين وعصابات أو كائنات غريبة تراقب الإنسان أو تحاول تخويفه أو الإطاحة به, ودائماً ما يصاب متعاطوا المخدرات بهذه الحالة وقد تصل أحياناً لدرجة الإعتقاد بأن هنالك من يتآمر عليهم ويراقبهم في داخل العائلة والأصدقاء وحتى في الجمادات أو الحيوانات المقربة وهذا ما يدفع المتعاطون لإرتكاب الجرائم والقتل وتدمير الأشياء لأسباب غير منطقية, في الحقيقة إن جنون الإرتياب هو وسيلة دفاعية يستخدمها العقل حين يشعر بوجود وعي آخر يفوق قوته وذكائه وذلك الوعي هو ببساطة الوعي الأعلى للفرد وكما نسميه "وعي المراقب", أي الحقيقة هي إن العقل هو من يتآمر على الإنسان المصاب بجنون الإرتياب ويؤسس العقل حالة خارجية وداخلية تشبه حالة المطاردة بحيث إن الإنسان حرفياً سوف يخاف من كلشيء حوله ويتهم كل الأشياء حوله بالتآمر وأشياء أخرى غريبة وغير منطقية, وفي حالات خطيرة قد يرى المتعاطي إن نفسه تتآمر عليه حتى تخرج تصرفاته عن سيطرته ويتخذ قرارات خاطئة دون أن يدرك وكل ما يفعله في حياته سوف يأتي إليه بنتيجة عكسية وهذه الحالة دائماً تنتهي بالإنتحار.

 لا يجب أن نقول إن ذلك وهم لأن العقل يعمل على مستوى الواقع الخارجي أيضاً بحيث يجعل الواقع يتصرف بشكل مختلف مع الشخص أو يجعل الأشخاص يتصرفون أمامه وكأنهم جواسيس ومتآمرين, ولذلك سمي جنون الإرتياب بالشرطة العصبية لأنه قوة فكرية وعقلية في الجهاز العصبي تمنع الإنسان من إختبار اليقظة الروحية في حال لم يكن مستعداً لإدراكها وفهمها, وقد تم تسميتهم في التعاليم السرية القديمة بـ"حراس المعبد" والمقصود بالمعبد هنا هو الجسد النجمي أو الوعي الأعلى (الإله الفردي),  إن كان التعبير القديم قد تم بشكل واعي أو لا واعي ففي جميع الأحوال الدلالات اللغوية والرموز القديمة كلها تُجسد حقائق باطنية للوعي البشري والتاريخ البشري مليء بالرمزيات والرسائل وكلها كانت تعبر عن حقائق الوعي الأعلى.



في حالة الخوف يتعامل الدماغ مع الذات بنفس الطريقة, كما ذكرنا في مقدمة السلسلة إن الخوف لا يؤثر فقط في قرارات ومشاعر وأفكار الإنسان إنما يؤثر أيضاً على حياته وواقعه المادي ومسار الأحداث فيها, وقد يخدع العقل الذات بأن خوفه منطقي ولكن الحقيقة هي إن الخوف حالة وهمية تماماً لأنه يعتمد أساساً على برامج عقلية تم تنظيمها مسبقاً بناءاً على ظروف بيئية أو بيولوجية أو إحتمالات لا وجود لها في الواقع الحالي, ومثال على ذلك الخوف من المستقبل أو الخوف من التغيير أو الخوف من الموت والمرض.


حياة الإنسان لا تعتمد إطلاقاً على النظام البيولوجي والوراثي ولا تعتمد على رأيه الشخصي أو ما يعرفه عن الواقع, حياة الإنسان ببساطة تعتمد على الإدراك والفهم والمراقبة, من أجل ان يتطور الوعي يجب عليه أن يجرب ويختبر الحياة تدريجياً بتقبل وقناعة, سوف يتوجب عليه أن يتجسد مراراً وتكراراً حتى يفهم طبيعة العالم المادي وحقيقته, كون إن العالم المادي هو مستوى من مستويات الهرم الكوني لتطور الوعي.


تجاربنا الفردية في الحياة هي إنعكاس لمستوى ذكائنا الروحي, وكل إنسان يجب أن يعترف ويتقبل تجربته بحُب, لأنها يجب أن تكون مختلفه عن تجربة أي إنسان آخر.


إستعادة الوعي





نظريات المؤامرة قد لا تكون حقيقية تماماً, ولكنها حقيقية إلى حد ما ويجب أن نعترف بذلك, على سبيل المثال الرأسمالية والنظام الإقتصادي اللذي جعل النقود والمال مترسخان في الدماغ والذاكرة البيولوجية للإنسان على إنهما "وسيلة للبقاء على قيد الحياة" حتى أصبحت رغبة الإنسان بالمال شبيهة بالرغبة الجنسية إلى درجة كبيرة وكلا الرغبتين مرتبطتان بغريزة البقاء ولا يمكن التخلي عنهما بسهولة, لا يمكن التخلي عن غريزة البقاء بسهولة لأنها أصبحت جزءاً لا يتجزء من الدماغ البشري والحمض النووي, وإذا أردنا السيطرة على غريزة البقاء فعلينا أن نتخلى عن التفكير بالمنطق الإعتيادي-المادي كما علينا أن ندرك إن المال والجنس ليس لهما أي علاقة في البقاء على قيد الحياة فحياة الإنسان لا تتعلق فقط بالجسد البيولوجي, والمال ليس أوكسيجين ولا غذاء للروح والرغبة الجنسية ليس لها علاقة في بقاء الجنس البشري إنما لها علاقة بالخوف الغريزي اللا واعي من زوال الجنس البشري أي توقف التكاثر, والسيطرة على رغباتنا وطريقتنا في التفكير هي أول خطوات السيطرة على الكون الظاهر أمامنا.


هذه ليست دعوة إلى التخلي الكامل عن الرغبات أو محاولة كبتها, لأنه من غير الممكن التخلي بشكل كامل عنها طالما نحن على قيد الحياة في الجسد المادي, ولكن المطلوب هو السيطرة على هذه الرغبات كالسيطرة على باقي مكونات الجسم كالعضلات والأعصاب, كما ذكرنا في سلسلة التانترا والسحر الجنسي إن الرغبة ليست أمر سيء ولكن طريقتنا السلبية في النظر إليها والتعامل معها هو ما يجعلها تؤثر سلبياً على أرواحنا, يجب أن نتقبل كونها طبيعية وجزء من نظام الطبيعة ولكن يجب أن نفهم أيضاً إن الرغبة بدون الوعي الإلهي هي دائماً رغبة حيوانية ليس لها أثراً في الواقع الروحي أو الكوني.


هنالك أموراً كثيرة تخطف الوعي وأهمها التسليم/أو الإعتماد على الأشياء الوقتية وإعتبار وجودها ضرورة حتمية بحيث إنها تسيطر على مشاعرنا وأفكارنا وتصرفاتنا اليومية, كالمال وعلاقاتنا بالأشخاص والتطبيقات والأدوات التكنولوجية والأشياء المادية الوقتية بشكل عام, الكثير من الناس يقولون "أنا لا يمكنني العيش بدون فلان أو بدون كذا شيء" وحين يفقدونه قد يتألمون ولكن في النهاية يتكيف عقلهم مع التغيير والفقدان ويتقبل ويبحث عن بديل جديد, من الضروري أن ندرك إن تعلقنا في الأشياء ليس له أي أساس في حقيقتنا الروحية, لأنه في جميع الأحوال علاقاتنا مع الأشخاص والأشياء المادية سوف تزول وإذا لم تزول فأجسادنا وهوياتنا المادية سوف تزول بدلاً منها ولا شك في ذلك إن إنتهاء العلاقات المادية هو مسألة وقت سواء مع الأشخاص او مع الأشياء.


المنطق هو محاولة عبثية من العقل لفرض النظام على كون متحرر غير خاضع لنظام فيزيائي أو نطاق محدد, ليس هنالك نظام في الخارج, كل الأنظمة والقيود تأتي من الداخل. - روبرت ويلسون



قوة التأمل والإدراك





لو سألت جميع المتنورون والقادة الروحيين عن سر قوتهم النفسية والعقلية وراحتهم وسلامهم الدائم سوف يقولون لك مارس التأمل, ببساطة لأن التأمل هو "عملية الإستنارة".

في حالة النوم العميق يدخلان الجسم والعقل في حالة من الراحة الكاملة والسكون والرخاء, علمياً هذه الحالة يكون فيها العقل في مرحلة "ألفا" وفي حالة التأمل العميق يختبر الجسم حالة من السكون والهدوء مشابهة للنوم ولكنه في حالة يقظة.

بعد التأمل يصبح الجسد مثل الريشة الخفيفة, ويتصرف العقل طبقاً لطبيعة الروح الحقيقية فيتوقف عن القلق والتفكير السلبي ويعمل بطريقة جديدة لشفاء الجسم والنفس, وكذلك يصلح العقل نفسه وحينها كل ما يسمعه الإنسان ويراه سوف يمس روحه بشكل مباشر ويدركه بوعي نقي لذلك فإن الإنسان سوف يرى الطبيعة الروحية للكون ويتلقى الإشارات الكونية ويفهم طبيعة الأحداث حوله, كيف يحصل ذلك ببساطة هو إن التأمل العميق يرفع حدود العقل عن السمع والرؤية والإدراك.

بعض الأشخاص اللذين دخلوا معنا في جلسات التأمل لأول مرة شعروا إثناء أو بعد التأمل بأعراض بدنية ونفسية غريبة وسبب ذلك هو إن طريقة التأمل المستخدمة كانت تحفز الخلايا والعقل على إصلاح الحمض النووي وبالتالي ظهرت أعراض تطهير داخلي وتحول, ومن الطبيعي إن أي شخص مبتدئ في التأمل سوف يواجه صعوبة في الدخول إلى تأمل عميق أو قد يشعر بالخوف او حتى يسمع أصوات تجعله ينسحب من التأمل, وكل تلك المشاعر هي وهمية ويصنعها العقل لأنه يخاف من التغيير اللذي يحصل بعد التأمل.

التأمل هو تفعيل وعي المراقب ومن خلاله يمكن للإنسان أن يغير نفسه ويغير أي شيء في حياته أو في داخله, ببساطة لأن وعينا المراقب هو اللذي يحدد كيفية تصرف الواقع الخارجي معنا, ففي الفيزياء الكمية إذا راقب الإنسان الألكترون فإنه يتحول مباشرة إلى جزيء مادي بينما لو توقف عن مراقبته فسوف يتصرف الإلكترون وكأنه أشعة من طاقة وليس جزيء مادي وهذا إعجاز علمي حقيقي لم يتمكن العلماء من تفسيره حتى الآن, وقد فتح أبواب كثيرة للعلم النظري وجميع التجارب الفيزيائية المتعلقة بميكانيكا الكم أثبتت إن جميع التعاليم الشرقية لبوذا ولاو تزو وغيرهم من معلمون التأمل كانت تعاليم حقيقية.

عندما تدرك إنك كاملاً ولا تحتاج شيء, سوف ينتمي إليك كل العالم. - لاو تزو


توقف عن محاولة إنهاء مشاكلك, وسوف تُحل حين تدرك إن ليس هنالك أي مشاكل. - لاو تزو


إما بوذا فهو مثال حقيقي للإنسان المتأمل

بينما يحاول الناس إكتساب شيئاً من واقعهم
يحاول بوذا الإبتعاد عن كل شيء بالصمت والعزلة

حتى يصل إلى حالة أشبه بالموت
بحيث إن كل شيء حوله يصبح فارغاً وساكن

فقط حينها سوف يتجدد العقل والنفس
ومعهما تتجدد حياة الإنسان وقدره بالكامل

سوف يولد إنساناً جديداً حراً
ليس لديه أخطاء أو كارمات
وليس له ماضي
يختبر حياته بحرية دون نطاق محدد
ولا علاقة له بالمعاناة

التعليقات