“وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا… (آل عمران : 103)
الإنسان هو العدو الأول لنفسه… لماذا ؟
لماذا يُفضل حياة الظلمة على حياة النورانية والنور؟
لم يخاف من الفرح و الحياة؟
لماذا تهاب نفسه الحرية الداخلية، وتخاف الحكمة وتتبرأ من الشجاعة؟
(الوجود والمعرفة ) إحدى الأسرار الكونية التي يتم السعي لفك ألغازهما دوماً، فهما نفخة الروح، الروح العليا الحاضرة في كل إنسان لينبثق ويتجدد، ذلك الانبثاق، وذلك التجدد اللذين هما من سنن الناموس الكوني في التغيير والتطوير، ليتجلى شبق الكون لنفسه، وإبداع العشق الرباني فيه.
في كل فصل من فصول السنة هناك طور من أطوار الحياة، يحمل معه رسالته، ليحل إحدى شيفراتها ، مثلا الخريف الذي يمر علينا اليوم هو خريف العمر، ياتي ويذهب وتتعاقب من بعده الفصول مرة تلو الأخرى، وتسقط أوراق أشجاره عارية لا مبالية بجميع المارة، لأن غصنها سيزهر من جديد، وستعود مجدداً إلى أمها الأرض لتعلُ أكثر وأكثر ، فتثمر حيواتنا مجددا…..
الحب اللامشروط وهل تحيا اللحظة الآنية بكامل وعيها وحضورها؟
إن اللغز الدائم يطرح مع أنفسنا أيضاً: كيف سنزهر نحن مثل تلك الأغصان ونزهو مجدداً؟
إن معاينة الله في داخلنا، وإدراك نوره عبر وعينا الباطني النقي، تجعلنا ندرك سرانية الروح الخالدة، التي هي المعرفة ، و عبرها كل ماحولنا يعيد اتصاله مع الكون ومع نفسه…
مابني على باطل هو باطل”، “اعرفوا الحق والحق يحرركم“..
إن الخلود الإلهي هو الحقيقة الكائنة في كل روح بشرية، ومنها ننبعث إلى كل مسراتنا الأرضية والسماوية
معاً، لتشرق الكينونة، كينونة الفرح التي يتجلي فيها الحب السماوي، الذي لايزهو أبدا إلا بالحب …الحب اللامشروط.
فالحب هو كينونة الإنسان الصافي، النقي، المتحد مع يقظته الروحية، ليعيش في مرحلة السمو ،السمو الإلهي دوماً وأبداً…
الاتصال والتواصل مع النفس (اللحظات التي تهدي الانسان لمحات عن حقيقته الأبدية الكونية)
الحكمة هنا تقتضي أن نكتفي الحياة بالإتصال مع أنفسنا، وإطلاق العنان لأرواحنا الحرة، فطالما هناك ألم، يعني أن هناك قيود حولها، إلا أن الفطرة الصافية، والوعي الباطني النقي، هما من مسالك العرفان العابرة للدروب الصحيحة، فيما أن البرمجة المسبقة لحيواتنا المرتبطة بالأفكار والأفكار السلبية الآتية من المهد والطفولة، قد تشيد أقسى السجون، فالسجون موجودة في برمجيات العقول ، بيد أن الانسان خُلق حراً، وما عليه إلا أن يحرر نفسه من كل أذيات الأنا المشروطة في داخله، و البرمجيات المسبقة التي تؤذي روحه، وبالثقة المطلقة في طاقة الكون المتجلية من طاقته أولاً..
فعندما يُصدّرالمرء لنفسه مشاعر الحب اللامشروط بكل صدق، عندها سيمتلئ بطاقة الحب الكونية، والحب الإلهي الأعظم، بشرط أن يعي ويدرك روح الخالق والمخلوق معاً…
إذا البرمجة السلبية هي مصدر التعاسة و الألم في حال عدم اختبار العتبة، عتبة الحب والحب اللامشروط، وهذ يمكن أن يحدث بسبب جهل معرفة علاقة الأنا الدنيا (العقل ) مع الأنا العليا المرتبطة بالوعي الباطني، النقي، المتوج بالحدس وغيره، وهما مكملان بعضهما بعض، فرابط توأم الانسجام والقبول بينهما، هو شرط أساسي للاستمرارية في طريق التوهج بالحياة ، والرضا عن النفس، والحياة مع السكينة، عندئذ سيتلاشى الخوف باليقظة، اليقظة الروحية، لتكن بداية طريق السلام الداخلي ..
الجمال والفن والحرية والحب والحقيقة
في مرحلة السمو هذه، يتم إدراكك الخلود، ويصبح الموت بوابة العبور، لتكن في حالة اتحاد روحي مع من تُحب، أي تتحول أوصال الشوق إلى أوصال الحنين، إذ يمكن التواصل والاتصال مع النور الإلهي الكامن فينا .. ..
كما أسلف سابقاً، إن برمجة الأفكار السيئة، والعيش بذهنية القطيع، ستؤدي حتماً إلى حد تنزف فيه النفس وتُستنزف.
فهناك علاقة بين الحرية والجمال والفن والحب والحقيقة، للارتقاء إلى الوجدان الحقيقي …
الصلاة
قليلٌ من الانحناء، وقليلٌ من العطف عند الاصغاء لهذه النفس، عندئذ ستقودنا الفطرة إلى أقدارنا، بما يتناسب مع مهمتنا النفسية ورسالتنا الروحية، دون عناء وتكليف، فبالحب اللامشروط، ونظرة الصفاء والمصالحة معها، سنتجاوز مرحلة التعلق القصوى المرتبطة بالعقل(الآدمية)، الذي هو خلاصة التجارب والرغبات والخبرات، إلى مرحلة الوعي الأسمى المنوطة في استنباط أبعاد أنفسنا المختلفة، واكتشافها الكلي عبر اتحاد كلٍ من الفكر والعقل والوعي الباطن.
إذاً بإدراك الوعي الباطني، والاتصال العميق مع الروح، الروح الهائمة في ملكوت العشق،عشق الكون والوجود، نعي بأن الوهم باطل، وأن الحقيقة مشعة من الحق، تلك الحقيقة المُدركة فينا، والتي ظاهرها مرتبط بالحق (كينونتنا)، وباطنها سماوي مرتبط بالله، فالحق كوني سماوي خالق ومخلوق معاً.
“أنا هو الحق والطريق والحياة“
“جاء الحق وزهق الباطل“
إنها جدلية الحياة والموت والخلود، روح الخالق الأعظم (المعرفة) التي بعثت فينا القدرة على الخلق، فالإنسان المُدرك في كينونته لحضور قوة الوعي الباطني، النقي بداخله، هو الخالق والمخلوق معاً، وكل الطرق التي نسلكها، ستؤدي لقناعتنا بأن الكون كلّه مكنون فينا، وإننا كائنون في نبض الله وروحه…
“وتحسب أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر”
*بقلم: مايا سمعان.
إرسال تعليق